
في وقت تنجح فيه شابة تونسية من منطقة مهمشة في تحويل حليب الإبل إلى مشروع اقتصادي وعلاجي يوصف اليوم بـ”الذهب الأبيض”، يبقى هذا المورد الهائل في موريتانيا – حيث أكبر ثروة وطنية من الإبل – غير مستغل بالشكل الذي يستحقه.
إن تجربة لطيفة فريفيطة في الجنوب التونسي، التي أسست مركزا لبسترة حليب الإبل معتمدا على أبحاث علمية محلية، تكشف إمكانات ضخمة قابلة للتكرار والتطوير في مناطقنا الداخلية، لا سيما في ولاية آدرار ومدينة ودان، التي تتوفر فيها البيئة، والخبرة، والثروة الحيوانية، والعقول القادرة على الابتكار.
ندعو من خلال “ودان إنفو” السلطات، الباحثين، المستثمرين، والشباب الطموحين في موريتانيا، إلى دراسة هذه التجربة والاستلهام منها، فهي لا تمثل فقط قصة نجاح نسائية تونسية، بل نموذجا عمليا لتثمين الموارد المحلية، ومحاربة البطالة، وتحويل المناطق المهمشة إلى مراكز إنتاج وابتكار.
فلنتوقف عن تصدير الجمال واستهلاك الحليب عشوائيا…
ولنبدأ التفكير في تحويل ما نملكه من “حليب الإبل” إلى “ذهب أبيض موريتاني”، ينفع الناس، ويفتح الأبواب أمام فرص عمل وتنمية اقتصادية وصحية شاملة.
تونسية تحوّل حليب الناقة إلى “ذهب أبيض” في مناطق مهمشة
(تقرير من وكالة الصحافة الفرنسية )
تقترب النوق الواحدة تلو الأخرى بهدوء من آلات الحلب في مركز تديره نساء، في وقت يؤمل فيه أن يسهم حليبها المعروف بمزاياه “العلاجية” في تنمية مناطق صحراوية مهمشة في جنوبي تونس.
لطيفة فريفيطة (32 عاما) أطلقت بالقرب من محافظة مدنين في جنوبي شرقي تونس مركزا فريدا من نوعه في البلاد لبسترة حليب الإبل.
واعتمدت في مشروعها على أبحاث آمال السبوعي (45 عامًا)، الباحثة في “معهد المناطق القاحلة”، وهي مؤسسة حكومية مقرها في هذه المنطقة المهمشة، سجلت براءة اختراع لتقنيات جديدة للبسترة تضمن “الحفاظ على الخصائص الغذائية والعلاجية” لهذا الحليب.
ويحتوي حليب الإبل على نسبة حديد أعلى بخمس مرات من حليب البقر، وهو غير مسبب للحساسية، قادر على تحفيز الجهاز المناعي، كما يمتلك خصائص مضادة للأكسدة والبكتيريا والالتهابات.
آمال، الحاصلة على دكتوراه في الكيمياء الحيوية بعد 20 سنة من الدراسة، أثبتت مع فريقها الذي يشكل النساء 80% منه، تأثيره المضاد لمرض السكري، ما يسمح بتقليل جرعات الأدوية إلى النصف أحيانا.
واجهت لطيفة فريفيطة في البداية “صعوبات كبيرة”، أولها إقناع المربين ببيعها الحليب، لأنهم يهتمون أكثر بلحم الناقة ولا يثمنون حليبها. وقالت: “إنهم معتادون على استهلاكه أو إعطائه مجانا”، دون إدراك قيمته الاقتصادية.
تعمل لطيفة وفريقها على اختبار العينات قبل البسترة التي تتيح الحفاظ على الحليب طازجا لمدة تصل إلى 15 يوما عند 4 درجات مئوية، وقد بدأت في بناء علاقة ثقة مع المربين، استعدادا لتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد معهم.
واحتاجت لطيفة، الحاصلة على ماجستير في تقنيات الأغذية، إلى سبع سنوات من التحضير قبل إطلاق شركتها الناشئة “شامليه” (حليب الناقة) في العام 2023، بدعم من “معهد المناطق القاحلة” الذي يستضيفها في حاضنة المشاريع على بعد أمتار فقط من مختبر آمال السبوعي.
تفخر لطيفة بـ”تثمين منتج محلي يمثل الجنوب التونسي”، حيث تشكل الجمال عنصرا أساسيا في نمط الحياة الصحراوية. وقد اختارت البقاء في منطقتها والاستثمار فيها، بدلا من اللحاق بزوجها العامل خارج البلاد.
توفر محطة الحلب التجريبية التابعة للمعهد في شانشو تدريبًا عمليا للمزارعين ومربي الإبل على تقنية الحلب الآلي، والتي تمكن من در 6 إلى 7 لترات من الحليب يوميا، مقارنة بلتر أو اثنين فقط عبر الحلب اليدوي.
وبعد عامين من إطلاق المشروع، تنتج لطيفة 500 لتر أسبوعيا، والهدف مضاعفة الكمية خلال العامين المقبلين. وتبيع “شامليه” الحليب في 12 متجرا محليا، بسعر 12 دينارا تونسيا (نحو 4 يورو) للتر الواحد.
يتزايد الطلب على هذا الحليب تدريجيا، حيث يدرك الناس فوائده الصحية المتعددة. وتعمل الباحثة آمال السبوعي حاليًا على تطوير تقنيات تجفيف بالتجميد لتحويل الحليب إلى مكمل غذائي يسوق كدواء، شرط توفر دعم بحثي إضافي.
ويعد مشروع لطيفة نموذجا ناجحا لسياسة “معهد المناطق القاحلة” في دعم الابتكار المحلي داخل المناطق المهمشة، لا سيما في ولاية مدنين التي تعاني من ارتفاع نسب الفقر والبطالة، ما يدفع كثيرا من شبابها للهجرة.
يقول معز الوحيشي، المسؤول عن التثمين في المعهد: “هدفنا الرئيسي كمركز أبحاث هو خلق قيمة مضافة وفرص عمل”، مشيرا إلى أن المعهد ساهم منذ 2010 في تأسيس 80 شركة وفرت ما بين 600 إلى ألف وظيفة.
وبحسب الوحيشي، فإن تأسيس أول مركز لتجميع حليب الإبل قبل نهاية 2025، وتعميم الحلب الآلي في عدد من المزارع، سيسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، وتحويل هذا الحليب المهمل إلى ما يطلق عليه بحق “ذهبا أبيض” للمنطقة.
ملاحظة ختامية من هيئة تحرير “ودان إنفو”:
ندعو من هذا المنبر كل الفاعلين في موريتانيا – من وزارات ومعاهد وجامعات ومراكز بحوث، إلى المستثمرين والهيئات التنموية – إلى تبني مبادرات فعلية لتطوير إنتاج حليب الإبل وتصنيعه.
ولنبدأ من حيث نجح الآخرون، بتأسيس مشاريع نموذجية في ولايات الشمال، وخاصة في مدينة ودان وولاية آدرار، حيث الثروة متوفرة والفرص كثيرة.
“نملك الذهب الأبيض… فلنحسن استثماره.”




