بريد أنباء وادانثقافةوطنية

ديمي منت آب.. حين يصبح الصوت وطنا

رحلت جسدا.. لكنها بقيت أغنية لا تنسى.. ديمي منت آب، الفنانة التي حولت التراب الموريتاني إلى ذهب فني خالد.

ولدت في 25 ديسمبر 1958 بمدينة الرشيد، لتحمل منذ نعومة أظفارها همسة الفن الأصيل في صوتها. بدأت مسيرتها الفنية كإشراقة شمس لا تغيبها الغيوم، حتى توجت بلقب “شحرورة وادي الرشيد” بعد فوزها بالمركز الأول في مسابقة الغناء العربي بتونس عام 1976 بأغنيتها الخالدة “ريشة الفن”.

لم تكن مجرد صوت عذب يصدح، بل كانت قصيدة حب غناها الموريتانيون بأعماقهم. أغانيها مثل “الاستقلال” و”تمبرمه زين” و”عيد المولود” تحولت إلى أناشيد وطنية، تغنى في الأفراح وتردد في المناسبات، كأنها نهر من الذكريات لا ينضب.

كانت ديمي تنتمي إلى جيل صنع الذاكرة الموريتانية من الأصوات، جيل كان الفن بالنسبة له رسالة ومسؤولية، لا مجرد ألحان عابرة. صوتها لم يكن صوت امرأة تغني فقط، بل كان صوت أرض، صوت تاريخ، صوت مجتمع بكامله. استطاعت أن تحفظ الوجدان الشعبي الموريتاني بأغانيها، وأن تنقله من الشفاه إلى القلوب، ومن الحاضر إلى الخلود.

عاشت حياتها كشمعة تضيء للآخرين، بصوت جمع بين الأصالة والمعاصرة، وبقلب كان قصرا مفتوحا لكل محبي الفن. حتى العالمي علي فاركا توريه انحنى لإبداعها، معترفا بأنها من أعظم الأصوات الأفريقية. لم تكن تتحدث فقط من داخل موريتانيا، بل من داخل الروح الأفريقية كلها، وهو ما جعلها موضع تقدير في محافل دولية متعددة، حيث حملت صوت بلاد شنقيط إلى أبعد مما كان يتخيله أحد.

في الرابع من يونيو 2011، أسدل الستار على حياة هذه السيدة التي حولت الفن إلى رسالة حب، لكنها تركت إرثا لا يموت. اليوم، ما زال الموريتانيون يرددون أغانيها وكأنها بينهم، وما زالت ابنتها فيروز تحمل المشعل بفخر واعتزاز، وكأنها تقول للعالم إن الأغنية الجميلة لا تموت، بل تنتقل من جيل إلى جيل.

رحلت ديمي جسدا، لكنها صارت أيقونة خالدة في ذاكرة الوطن. صوتها لم يغب، بل تحول إلى ترنيمة صباح تطل كل يوم من نوافذ البيوت الموريتانية، تذكرنا أن الفن الحقيقي لا يموت. حضورها ما زال نابضا في قلوب من عرفوها، وفي آذان من استمعوا إليها، وفي وجدان شعب يرى فيها امتدادا لصوته وملامحه وأحلامه.

ودان إنفو، وهي تترحم على روح الفنانة الكبيرة، تسجل بكثير من الحزن والامتنان أن رحيل ديمي منت آب ليس فقدا شخصيا لعائلة فنية فقط، بل هو فجيعة وطنية في روح ملأت الوجدان العام حبا وأملا. نتوجه بخالص العزاء إلى عائلتها الكريمة، وإلى جمهورها الكبير داخل موريتانيا وخارجها. ونؤكد أن ودان إنفو ستظل تخلد ذكراها، وتعيد بث رسائلها الفنية، وستظل تردد معها: إن الأغاني الصادقة لا تموت، وإن من غنى للوطن بالحب لا يطنسى.

اللهم ارحم ديمي منت آب، وأسكنها فسيح جناتك، وألهم محبيها الصبر والسلوان. ستظل دائما.. أغنية موريتانيا التي لا تنتهي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى