
في زمن تتكالب فيه القوى الدولية على خيرات الشعوب الضعيفة، برز الشيخ ولد بايه كصوت وطني أصيل، لا يعرف المهادنة حين يتعلق الأمر بمصلحة موريتانيا. رجل من طراز نادر، خبر دهاليز السلطة، وتسلح بالحكمة والبصيرة، فكان صوته الهادئ في ظاهره، يخفي وراءه إرادة من فولاذ.
لقد سجل هذا الرجل اسمه في صفحات الشرف الوطني، حين تولى رئاسة الجمعية الوطنية، فكان برلمانيا منفتحا على الناس، لا يتوانى عن الدفاع عن المواطن، ولا يتردد في مساءلة السلطة، إن بدا له أنها انحرفت عن المسار. لكن اسمه ارتبط بشكل أخص بواحدة من أهم المواجهات الدبلوماسية في تاريخ موريتانيا: مفاوضات اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي.
لم تكن مجرد محادثات على طاولة، بل كانت مواجهة شرسة بين إرادتين: إرادة الهيمنة الاقتصادية، وإرادة السيادة الوطنية. وفي قلب هذه المواجهة، وقف الشيخ ولد بايه كصخرة صماء لا تكسر، يفاوض لا من موقع التبعية، بل من موقع من يعرف أن بلاده تملك أوراق القوة إن أحسن استخدامها.
بفضل حنكته ومهارته التفاوضية، استطاعت موريتانيا أن تحقق مكاسب غير مسبوقة: تعويض مالي هو الأعلى في تاريخ الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، بلغ 113 مليون يورو سنويا، إضافة إلى شروط صارمة تحمي المخزون السمكي الوطني، وتضع حدا لنهب البحار الموريتانية. لقد انتزعت موريتانيا، بقيادة ولد بايه، احترام أوروبا، لا بالضجيج، بل بالحجة والقوة الهادئة.
وحين وصفت الصحف الأوروبية الاتفاقية بأنها “عادلة ومتوازنة”، فهم الجميع أن وراء هذا الإنجاز قيادة وطنية لا تساوم على السيادة، ولا تفرط في ذرة من ثروات البلاد. لم يكن الشيخ ولد بايه رجل التوازنات الشكلية، بل رجل المبادئ الصلبة، الذي لا ترهبه الألقاب ولا تغريه المناصب.
إن هذا الفيديو الذي وثقته قناة الجزيرة، ليس مجرد تقرير صحفي، بل وثيقة للتاريخ. شاهد على رجل كان حيث يجب أن يكون، حين كانت موريتانيا بحاجة إليه. لم يكن يؤدي واجبا إداريا، بل كان يخوض معركة من أجل أجيال لم تولد بعد، ومن أجل صيادين بسطاء لم تسمع أصواتهم في قاعات التفاوض، لكن ولد بايه حملها في قلبه.
هكذا يكون القادة، وهكذا تبنى الدول.
وهكذا ستتذكر موريتانيا أحد أبنائها البررة:
الشيخ ولد بايه.. وطني حتى النخاع، لا يخشى في الحق لومة لائم.
ودان إنفو



