بين الإغاثة والتجارة .. تساؤلات مشروعة حول دور مفوضية الأمن الغذائي

في بلد ما تزال آلاف الأسر تعيش على حافة الجوع، وتنتظر شهورا طويلة عودة شاحنة الدعم الغذائي، أطلقت الدولة عبر مفوضية الأمن الغذائي برنامجا جديدا تحت مسمى “المخازن القروية للأمن الغذائي”، يستهدف مناطق واسعة في ولايات آدرار، داخلة نواذيبو، تكانت، تيرس الزمور، وإنشيري.
برنامج طموح في ظاهره، لكنه سرعان ما أثار جدلا واسعا، خاصة بعد زيارة مفوضة الأمن الغذائي السيدة فاطمة بنت خطري إلى مدينة أوجفت لإطلاقه، حيث فوجئ المواطنون بأن الاستفادة من هذا البرنامج مرهونة بدفع مبلغ قدره مليون ومائتي ألف أوقية قديمة، مقابل الحصول على طنين من الأرز، وطنين من السكر، وطن واحد من زيت الطهي.
هنا تبرز تساؤلات كبيرة ومقلقة: هل هذا الدور من صميم عمل المفوضية؟ هل تحولت جهة الإغاثة الوطنية إلى فاعل اقتصادي؟ من يراقب الأسعار التي ستباع بها هذه المواد؟ والأهم: أين موقع المواطن الفقير من كل هذا؟
صحيح أن القانون قد يتيح للمفوضية في بعض الحالات تصريف بعض المخزون الزائد أو الهبات قصيرة الأجل عبر آليات بيع منظمة، لكن ما يجري في إطار هذا البرنامج يبدو أقرب إلى نموذج تجاري قائم على الدفع المسبق، لا على الإغاثة الموجهة للمحتاجين.
فما الجدوى من برنامج غذائي لا يستفيد منه إلا من يستطيع دفع أكثر من مليون أوقية قديمة سلفا؟ وأين أبناء القرى النائية الذين لا يملكون ثمن غداء يومهم؟ ثم من يضمن أن هذه الدكاكين المعتمدة لن تتحول إلى وسطاء أو مضاربين؟
ينبغي التذكير بأن فلسفة الدولة في القطاعات الاجتماعية ليست مبنية على مبدأ الربح والخسارة، بل على مبدأ التكافل والعدل والنجدة. والدولة ليست شركة تجارية، بل كيان مسؤول عن صيانة حقوق المستضعفين ورعاية الفقراء، لا تحميلهم أثقالا إضافية.
المطلوب من مفوضية الأمن الغذائي ليس بيع الطن بكذا، بل إيصال الغذاء إلى من لا يستطيع دفع فلس واحد. وإذا كانت الدولة هي من تمول المخزون، وتتكفل بالنقل، وتمنح الوسائل، فلماذا لا توزع هذه المواد مباشرة على الفقراء بدل بيعها لمن يملك القدرة على الدفع؟
إننا نرفع من خلال ودان إنفو هذه الأسئلة إلى صانع القرار، ونأمل أن يكون الرد على قدر التطلعات الشعبية، لأن الأمر لا يتعلق بكمية من الأرز أو الزيت، بل بفلسفة دولة ومسؤولية وطن ومصير شعب.
نقترح إعادة النظر فورا في آلية هذا البرنامج، واعتماد دكاكين مجانية أو مدعومة بشدة في المناطق الأكثر هشاشة، مع منع إعادة البيع بأسعار مرتفعة، وإعفاء المشاركين من الدفع المسبق، ونشر لوائح المستفيدين بشفافية وعدالة.
ليست الدولة بحاجة لأن تربح من قوت المواطن، بل بحاجة لأن تكسب ثقته، وتثبت للفقراء أنها تقف معهم لا عليهم. ولا نريد لمفوضية الأمن الغذائي أن تتحول من عنوان للنجدة إلى سبب للأسئلة المؤلمة التي يتداولها الفقراء في صمتهم الثقيل.
ودان إنفو ستبقى صوتا للفئات الهشة، وحارسا على البعد الإنساني والأخلاقي في السياسات العمومية.




