أخبارإسلامياتمحليةمقالوطنية

تللبه تفتخر.. شابان يختمان القرآن الكريم في محظرة التقوى

في زمن تضيع فيه البوصلة بين تيه الشاشات وضجيج الأيام، يبعث الله على حين غفلة من الناس نفحات من نوره، تذكر الغافلين، وتوقظ النائمين، وتثبت الصادقين. ومن قرية تللبه الوادعة، المتربعة على ضفاف المجد الموريتاني، تنبعث اليوم ومضة من ذلك النور، وتزف إلينا البشرى بميلاد فجر جديد، فجر قرآني، ساطع، مضيء، مشرق بالوعد والوفاء.

شابان من خيرة شباب وادان، من دمها وترابها ونورها، يتقدمان بخطى ثابتة نحو المجد الحقيقي، مجد لا تحققه الألقاب ولا المظاهر، بل تصنعه النية الصادقة، والجهد الصابر، والمجالسة الطويلة للقرآن. محمد لمين محمد السالك بوخير، ومحمد لمين الكوري بوخير، أخوان ورفيقان في طريق النور، أتما حفظ كتاب الله تعالى عن ظهر قلب، في محظرة التقوى العامرة، على يد شيخها المبارك مولاي أحمد ولد مولاي، حفظه الله ورعاه، وبارك في علمه وجهده وأثره.

أي فخر هذا الذي نعيشه اليوم، وأي بشارة أجمل من أن ترى شبابنا يتسابقون إلى كلام الله، يتركون في الصباح متع الدنيا، ويختمون في المساء سور الرحمن، يرضعون من المحاظر روح السلف الصالح، ويتفيؤون في ظلها معاني الجهاد الأكبر، جهاد النفس في ميدان الحفظ والاتقان. إن ختم كتاب الله ليس حدثا عابرا في حياة حافظه، بل هو ولادة جديدة، ميلاد روح أقبلت على الله، فانفتحت لها أبواب السماء، وأشرقت في قلبها معاني الخلود.

القرآن هو النور الذي لا ينطفئ، هو العهد الذي لا يخون، هو الجليس الذي لا يمل، هو الحبل المتين بين الأرض والسماء. من حفظه فقد حفظ أعظم كلام، ومن حمله فقد ارتقى إلى مقامات أولياء الله. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله أهلين من الناس؟ فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. فهنيئا لهذين الشابين أنهما الآن من أهل الله في الأرض، وفي الآخرة من المقربين، يرتقيان في الجنة درجات بعدد ما حفظا من الآيات، ويلبس والداهما تاج الوقار، ويشفعان في أهلهما، ويدعى لهما في عليين.

إن مثل هذه اللحظات لا تمر كأي لحظة، بل هي علامة من علامات الخير، وإشارة من إشارات العناية الربانية التي لا تمنح إلا لمن صدق، وعزم، وثبت. وهذان الشابان ما كان لهما أن يبلغا ما بلغا لولا أن الله أكرمهما بالتوفيق، وأكرم تللبه بأن جعل منها رجالا من هذا الطراز، وأكرم وادان بأن رفع فيها صوت القرآن من صدور شبابها.

وإننا في هذا المقام لنرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك لهذين الأخوين المباركين، ولنبارك لشيخهما العالم العامل، ولأسرتهما الكريمة، ولأهلهما جميعا، ونخص بالتحية والاعتزاز قرية تللبه الحبيبة، التي صنعت هذا المجد بصمت، وعبدت طريقه بالتربية والصبر واليقين. وهنيئا لودان كلها بهذا الفوز العظيم، فإن رفعة القرآن لا تخص أهل الحفظ وحدهم، بل هي رفعة لبلدهم، وقريتهم، ومحظرتهم، وكل من كان له يد في هذا الخير.

وإنها لفرصة لا تقدر بثمن، أن نوجه من خلالها نداء حارا إلى شباب وادان، أن أقبلوا على القرآن، فالقرآن هو الأصل حين تضيع الفروع، وهو اليقين حين تتهاوى ظنون العصر. من أراد العز فليطلبه في المصحف، ومن أراد الفلاح فليجده في بيت من بيوت الله، أو في ركعة من الفجر، أو في محظرة من محاظر العلم، أو في ثنايا سورة يتلوها بخشوع.

وإذ تحتفي ودان إنفو بهذا الحدث العظيم، فإنها تدعو شباب وادان في كل قراهم ومدنهم، أن يجعلوا من هذين النموذجين قدوة، ومن كتاب الله هدفا، ومن المحاظر محرابا، وأن يتجهوا بصدق نحو حفظ القرآن وتجويده وتعلم علومه، فذلك والله هو الزاد في زمن القحط، وهو الطريق لمن أراد أن ينجو وسط أمواج الغربة والتيه. فالقرآن لا يعطي كنوزه إلا لمن أحبه، ولا يورث نوره إلا لمن صدق في طلبه، وإن المجد كل المجد أن يقال يوما: هذا الشاب من حفظة القرآن، هذا الشاب من حملة النور، هذا الشاب ممن اصطفاهم الله ليكونوا من أهله وخاصته.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبهم، ونور صدورهم، وجلاء أحزانهم، وذهاب همومهم، وارزق شبابنا حفظه وفهمه والعمل به، واجعلهم من أهله وخاصته، واملأ محاظرنا بالحفظة والعلماء والربانيين، وبارك في شيخنا مولاي أحمد ولد مولاي، وفي كل من علم وساهم وسهر على هذا الخير.

وهنيئا مرة أخرى لوادان، وهنيئا لتللبه، وهنيئا لكل بيت طاب بنور القرآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى