اقتصادمحليةمقال

آخر زمن.. مشروع كلب الريشات بين عبقرية التصميم وسذاجة التشكيك

في ودان، تتكرر أمام أعيننا مشاهد عجيبة تثير الحيرة والأسى في آن واحد؛ أن ينبري أشخاص لا يملكون من التخصص ولا من المؤهلات شيئا، فيتحدثون بثقة مصطنعة وجرأة مثيرة للدهشة عن واحد من أجرأ وأهم التصميمات التي شهدتها موريتانيا في العقود الأخيرة: مشروع مدينة كلب الريشات، الفكرة السابقة لعصرها، والرؤية التي جمعت بين الخيال العلمي والدقة الهندسية، والتي لم يكن إعدادها عملا ارتجاليا، بل ثمرة جهد مشترك مع نخبة من أهم المصممين والخبراء العالميين في هذا المجال.

فأي منطق يقبل أن يساوى صاحب الفكرة، والمصمم المبدع، وفريق الخبراء الذين أبدعوا في رسم ملامح هذه المدينة، بمن لا يدرك حتى أبجديات التخطيط العمراني ولا يفقه شيئا عن متطلبات المشاريع العملاقة؟ وأي عدل هذا الذي يجعل من المؤسف أن نرى بعض الأصوات تنطلق – ويا للعجب – من نفس المجموعة التي كانت يوما أول من تبنى المشروع وروج له، لتعود فجأة وتصفه بالفضيحة والمغالطة، بل وتحدد موعدا لاستعراض “أدلتها” على أرض الواقع عند معلمة الريشات بداية الشهر المقبل، في مشهد لا يهدف إلا إلى إيهام الساكنة بأن فريق البلدية السابق ينسب المشروع لنفسه كمنجز مكتمل، بينما الحقيقة أوضح من شمس النهار.

إن الواقع، بشهادة كل منصف، يقول إن أحدا من الفريق السابق لم يدع يوما أن هناك مدينة قائمة بالفعل قرب كلب الريشات، بل أكدوا – ولا يزالون – أن المشروع في مرحلته الأولى مجرد تصميم عالمي الطراز، يهدف إلى تنمية المنطقة، وأن العقبة الوحيدة أمام تنفيذه كانت عدم توفر التمويل اللازم، إذ أن مشروعا بهذا الحجم لا يمكن أن تقوم به موارد محلية محدودة، بل يحتاج إلى استثمار وتمويل دولي ضخم.

حسب المخطط التفصيلي، فإن المدينة كانت ستضم:

أحياء سكنية حديثة مجهزة بكافة المرافق.

مسجد جامع يليق بمقام المدينة.

فندق متعدد الطوابق بمعايير سياحية عالمية.

منتزهات ومساحات خضراء تمنح الحياة جمالها.

مطار صغير لتسهيل الوصول والانفتاح على العالم.

محطة وقود تخدم السكان والزوار.

مختبرات علمية متقدمة.

منطقة مخصصة لعشاق الطيران الشراعي والمغامرات الجوية.

هذا ليس مجرد حلم وردي، ولا مشروعا بسيطا ينجز في أسابيع؛ بل رؤية استراتيجية، لو كتب لها التنفيذ، لجعلت من ودان وجهة علمية، وسياحية، واقتصادية، تضع اسمها على الخريطة العالمية بجانب كبريات المدن السياحية في العالم العربي وإفريقيا.

ولكن، بدلا من أن تتوحد الجهود لاستقطاب المستثمرين ودعم هذا المشروع، نرى البعض يسعى بكل ما أوتي من حيلة إلى تشويهه وتحريف حقيقته، في محاولة لزرع صورة زائفة في أذهان الناس، بأن ما قاله الفريق السابق شيء، والحقيقة على الأرض شيء آخر. وهذه الحملة – لمن يعرف دهاليز العمل العام – لا يمكن أن تكون بريئة.

ولأن الحقيقة لا تموت، فإن هذه المحاولة ستفشل، لأن أهل ودان يعرفون رجال البلدية السابقين، ويعرفون أنهم أهل فعل لا قول، وأهل إنجاز لا دعاية، وأنهم أرفع من أن ينخرطوا في مهاترات عقيمة لا تبني مدينة ولا تخدم مواطنا.

إن مشروع كلب الريشات لا يمكن أن يفهمه إلا من يملك وعيا علميا، ورؤية اقتصادية، وإدراكا تاريخيا لموقع هذه المنطقة وأهميتها. هو ليس مجرد خرائط على الورق، بل أمل في مستقبل أكثر إشراقا لودان وسكانها.

ونحن في ودان إنفو، وإن لم نكن ناطقين باسم الفريق البلدي السابق، إلا أن حبنا لودان وإيماننا بقدرتها على النهوض يجعلنا نثمن مثل هذه الأفكار الجريئة، ونقف في صف كل مشروع ينهض بمدينتنا، لأننا على يقين أن ودان تستحق أن تكون على خريطة العالم وجهة للعلم والسياحة والاقتصاد، لا ضحية لحروب كلامية ومهاترات انتخابية ضيقة.

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه في الختام:

هل يجرؤ هؤلاء الذين يصفون المشروع اليوم بالفضيحة على أن يواجهوا الناس بسجلهم هم في التنمية؟ ماذا أنجزوا؟ وأين هي مشاريعهم التي غيرت وجه المدينة؟ أم أن أسهل الطرق لصرف الأنظار عن الفشل هو إطلاق حملات تشويه ضد أفكار أكبر منهم، وأبعد من أفقهم؟ إن ودان لا تحتاج إلى أصوات تهدم، بل إلى سواعد تبني، والتاريخ لن يرحم من جعل من التشكيك مهنة، ومن الهدم رسالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى