الفكرة السعودية التي تحتاجها ودان.. ليزر يرشد المسافرين إلى مصادر الحياة

في مبادرة رائدة تحمل بصمة الابتكار والحرص على الإنسان، قامت المملكة العربية السعودية بتركيب أجهزة متطورة تعمل بالليزر والطاقة الشمسية في قلب صحراء الربع الخالي، وذلك لمساعدة المسافرين التائهين على العثور على مصادر المياه وسط الرمال المترامية الأطراف. هذه الخطوة لم تأت من فراغ، بل تعكس رؤية استشرافية تجمع بين التقنية الحديثة وحاجات الإنسان الملحة في أكثر البيئات قسوة على وجه الأرض.
وإذا كانت هذه الفكرة السعودية قد أثبتت جدارتها في إنقاذ الأرواح وإرشاد المسافرين، فإن تطبيقها في مدن موريتانية ذات طبيعة صحراوية قاسية، مثل مدينة ودان وما جاورها، يبدو خيارا عمليا وملحا. فالطريق الرابط بين وادان وأطار على سبيل المثال، مليء بالتحديات، سواء من حيث وعورة المسالك أو قلة نقاط المياه، وهو ما يجعل المسافرين عرضة لمخاطر العطش أو الضياع. وهنا يمكن أن تلعب مثل هذه الأجهزة دورا محوريا في توجيه المسافرين نحو مصادر المياه أو نقاط الاستراحة الآمنة.
إن الفكرة قابلة للتطبيق بوسائل متعددة، فالدولة تستطيع تبني المشروع على نطاق واسع ضمن خططها التنموية، كما يمكن للجهات المحلية والبلديات أن تدعم الفكرة وتتكفل بجزء من تكاليفها، في حين أن رجال الأعمال الودانيين لديهم الفرصة للمشاركة في مشروع إنساني وتنموي سيكون له أثر بالغ على سمعتهم ومكانتهم المجتمعية، فضلا عن كونه صدقة جارية تنقذ الأرواح وتيسر حياة الناس.
ولكي نفهم أهمية مثل هذه المبادرات، يمكن أن نتذكر تجارب أخرى حول العالم. ففي البيئات البرية القاحلة، وضعت بعض الدول أجهزة إرشاد ضوئية تعمل بالطاقة الشمسية لتوجيه المسافرين نحو الآبار القديمة أو محطات الوقود النائية. وعلى المستوى البحري، نجد أن أنظمة الملاحة البحرية الحديثة تعتمد على منارات ضوئية ورادارات مرتبطة بالطاقة المتجددة لإرشاد السفن الصغيرة والقوارب في عرض البحر نحو المرافئ ومصادر الإمداد. الفكرة واحدة، وإن اختلفت التضاريس: توفير دليل إنقاذي يحمي الأرواح ويرشد الساعين في متاهات الطبيعة.
ولعل مدينة ودان، بتاريخها العريق وموقعها الصحراوي الفريد، أحق ما تكون بتبني مثل هذه الحلول. فهي ليست مجرد مدينة تاريخية مدرجة على قائمة التراث العالمي، بل هي بوابة نحو عمق الصحراء، وزوارها ومسافروها بحاجة إلى كل وسيلة تضمن سلامتهم وتيسر رحلتهم. وهنا يصبح المشروع أكثر من مجرد تقنية، بل رسالة إنسانية وحضارية بأن التراث يمكن أن يلتقي بالتكنولوجيا الحديثة لخدمة الناس وبناء المستقبل.
إن مبادرة المملكة العربية السعودية في صحراء الربع الخالي درس ملهم، وودان قادرة، إذا ما تضافرت الجهود الرسمية والمحلية والخاصة، أن تستفيد منه لتكون رائدة في إدخال التكنولوجيا الصحراوية إلى فضائها. إنه خيار استراتيجي، وأيضا واجب أخلاقي، لأن حماية الأرواح وتيسير حياة الإنسان أسمى من أن تترك للتجربة والصدفة.
وبين صحراء الربع الخالي في جزيرة العرب، ورمال آدرار في موريتانيا، يظل الإنسان واحدا في حاجاته الأساسية: الماء والأمان والدليل. وإذا نجح الليزر والطاقة الشمسية في إنقاذ التائهين في تلك الربوع، فإن ودان وما جاورها قادرة أن تضيء صحاريها بقبس من هذا النور. فلتكن المبادرة القادمة من هنا، من قلب الصحراء الموريتانية، حيث يجتمع التاريخ والحاضر ليصنعا المستقبل.




