إسلامياتمقال

 المسجد الأقصى: مكانته في الإسلام وتحريره عبر التاريخ ووعد التحرير الأخير

المسجد الأقصى المبارك ليس مجرد حجارة وأرض، بل هو رمز عقدي وتاريخي وحضاري للأمة الإسلامية جمعاء. فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج الخالدة. لقد ارتبطت مكانة المسجد الأقصى في الإسلام ارتباطا وثيقا بالعقيدة الإسلامية، حيث ذكر في القرآن الكريم في سياق معجزة الإسراء:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ. هذه الآية الكريمة تؤكد المكانة الخاصة للمسجد الأقصى في الإسلام، كما أن الحديث النبوي الشريف يجعله أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها .

مكانة المسجد الأقصى في الإسلام

الأهمية الدينية

للمسجد الأقصى مكانة عظيمة في الإسلام تتجلى في عدة جوانب:

1.قبلة المسلمين الأولى: كان المسجد الأقصى قبلة المسلمين لمدة ستة عشر شهرا بعد الهجرة، قبل أن يتحولوا إلى الكعبة المشرفة بأمر من الله تعالى .

2.مسرى النبي صلى الله عليه وسلم: شهد المسجد الأقصى معجزة الإسراء والمعراج، حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى .

3.مكان البركة: وصفه القرآن الكريم بأنه “الذي باركنا حوله”، مما يدل على أن البركة ليست مقصورة على المسجد نفسه بل تمتد إلى ما حوله من أرض فلسطين .

4.مضاعفة الأجر: الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي .

الأهمية التاريخية

يمثل المسجد الأقصى ذاكرة الأمة الإسلامية الحية، حيث شهد:

– تحريره الأول على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

– تحريره الثاني من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي

– محاولات التحرير المتعددة عبر التاريخ الإسلامي

تحرير المسجد الأقصى في عهد الفاروق عمر بن الخطاب

الخلفية التاريخية

قبل الفتح الإسلامي، تعرضت القدس لاحتلالات متعددة، وكان آخرها الاحتلال الروماني الذي طرد اليهود منها ومنعهم من دخولها قرابة 500 سنة . في عام 15 هـ الموافق 636 م، قرر المسلمون فتح القدس بعد انتصارهم الحاسم في معركة اليرموك، حيث حاصر جيش المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح المدينة لمدة أربعة أشهر .

شروط التسليم

رفض البطريرك صفرونيوس تسليم المدينة إلا للخليفة عمر شخصيا، حيث ورد في النصوص التاريخية أنه قال: “وحق الإنجيل إن كان قد قدم أميرهم فقد دنا هلاككم؛ لأننا نجد في العلم الذي ورثناه، أن الذي يفتح الأرض بالطول والعرض، هو الرجل الأسمر، الطويل الأحور، المسمى بعمر، صاحب نبيهم، فإن كان قدم فلا سبيل لقتاله فسلموا له” .

العهدة العمرية

سافر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس في ربيع الأول 16 هـ الموافق 637 م، ووقع العهدة العمرية التي تضمنت:

– حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية

– حماية كنائسهم وصلبانهم

– منع اليهود من السكن في القدس

إعادة تعمير المسجد الأقصى

عندما دخل عمر القدس، بحث عن موقع المسجد الأقصى فوجده مكبا للنفايات، فشمر عن ساعديه وشارك بنفسه في تنظيفه، ثم صلى في مكانه وأمر ببناء مسجد خشبي يتسع لثلاثة آلاف مصل . كما قام بتحديد موقع الصخرة المشرفة التي عرج منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وبنى حولها سياجا .

تحرير المسجد الأقصى في عهد صلاح الدين الأيوبي

الخلفية التاريخية

بعد 88 عاما من الاحتلال الصليبي للقدس، والتي شهدت خلالها مذابح رهيبة حيث قتل الصليبيون 70 ألفا من المسلمين في المسجد الأقصى نفسه ، جاء صلاح الدين الأيوبي ليعيد توحيد العالم الإسلامي ويستعد لتحرير المدينة المقدسة.

معركة حطين الفاصلة

في 4 يوليو 1187م وقعت معركة حطين التي كانت نقطة التحول في الصراع مع الصليبيين، حيث استطاع صلاح الدين إبادة الجيش الصليبي وأسر ملكهم غي دي لوزينيان .

كان من أسباب النصر:

– التخطيط الاستراتيجي الدقيق لصلاح الدين

– اختيار المكان والزمان المناسبين (منطقة حطين في عز الصيف)

– قطع إمدادات الماء عن الصليبيين

حصار القدس ودخولها

بعد حطين، توجه صلاح الدين إلى القدس وحاصرها في سبتمبر 1187م. استمر الحصار 12 يوما، حيث كثف قصف المجانيق على أسوار المدينة حتى فتح ثغرة كبيرة في السور، مما أجبر الصليبيين على الاستسلام . دخل صلاح الدين القدس في 27 رجب 583 هـ الموافق 2 أكتوبر 1187م، في ذكرى الإسراء والمعراج .

إعادة الأعمال الإسلامية للمسجد الأقصى

قام صلاح الدين بعدة إجراءات لإعادة الهيبة الإسلامية للمسجد الأقصى:

– إزالة الصليب الكبير من على قبة الصخرة

– تطهير المسجد من الأنجاس والأقذار

– إعادة بناء المنبر الذي أحرقه الصليبيون

– تعيين أئمة للمسجد الأقصى

الوعد الإلهي بتحرير المسجد الأقصى مرة أخيرة

البشارات النبوية

تؤكد النصوص الشرعية أن المسجد الأقصى سيتحرر مرة أخيرة على يد المؤمنين، كما جاء في الحديث: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” . كما أن هناك بشارات بنزول عيسى عليه السلام وقتاله الدجال عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ثم توجهه إلى القدس ليقيم فيها العدل .

دور الأمة في تحقيق هذا الوعد

لكي تتحقق هذه البشارات، على الأمة الإسلامية أن:

1.تستكمل شروط النصر: بالإيمان والتوكل على الله ثم بالإعداد المادي والمعنوي.

2.توحد صفوفها: كما فعل صلاح الدين عندما وحد مصر وبلاد الشام قبل التحرير.

3.تستلهم الدروس من التاريخ: بفهم أسباب الانتصارات السابقة وتجنب أسباب الهزائم .

واجبات الأفراد والدول نحو المسجد الأقصى

واجبات الأفراد

كل مسلم مطالب بنصرة المسجد الأقصى حسب استطاعته:

1.بالدعاء: بأن يحرر المسجد الأقصى من براثن الاحتلال.

2. بالكلمة: بنشر الوعي بقضية القدس والتصدي للرواية الصهيونية.

3.بالمال: دعم أهل القدس ومقاومتهم ماديا ومعنويا.

4.بالمقاطعة: لمصالح الاحتلال وأعوانه .

واجبات الدول الإسلامية

على الحكومات الإسلامية:

1.اتخاذ موقف موحد: ضد أي اعتداء على المقدسات الإسلامية في القدس.

2.الضغط السياسي والاقتصادي: على الدول الداعمة للاحتلال، خاصة أمريكا.

3. دعم المقاومة المشروعة: لأهل فلسطين في دفاعهم عن أرضهم ومقدساتهم.

4.إفشال مخططات التهويد: عبر المنظمات الدولية والإعلام العالمي .

خاتمة: الأقصى أمانة في أعناقنا

المسجد الأقصى ليس مجرد عقار أو أرض، بل هو جزء من عقيدتنا ووجودنا. لقد حرره عمر بن الخطاب بتواضع المؤمنين، وحرره صلاح الدين بوحدة المسلمين، وسيحرر مرة أخيرة بإذن الله عندما تعود الأمة إلى دينها وتستكمل شروط النصر. إن الدفاع عن الأقصى ليس خيارا، بل هو فرض عين على كل مسلم حسب استطاعته، فكما قال الشيخ العربي في مذكراته: “هؤلاء الجنود المؤمنون من أصحاب رسول الله وقائدهم الميداني أبو عبيدة، وأميرهم عمر بن الخطاب كانوا جميعا يبكون.. لماذا؟! لأنهم يعرفون أن المسجد الأقصى هو رمز لقوة الأمة” . فليكن دمعهم ذكرى لنا، ولتكن تضحياتهم نورا نهتدي به في طريق التحرير القادم، إن شاء الله.

بقلم: محمد سالم المختار الشيخ

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى