اقتصادتاريخ وادانمحليةمقال

كلب الريشات ينتظر لحظته.. ماذا يمكن أن تتعلم وادان من سياحة الأهرامات؟

في قلب الصحراء الموريتانية، تقف مدينة وادان شامخة كأحد أعمدة التاريخ والثقافة في المغرب العربي، حاملة بين جدرانها القديمة إرثا حضاريا فريدا يستحق أن يكون على خريطة السياحة العالمية. ومع بروز معالم طبيعية مثل “كلب الريشات” التي حيرت العلماء، والمعمار التاريخي العتيق لمدينة وادان القديمة، بات من الضروري إعادة النظر في كيفية استثمار هذا الكنز غير المستغل.

في المقابل، نجحت مصر، رغم ما مرت به من تحديات، في تحويل تاريخها الفرعوني إلى رافعة اقتصادية حقيقية، عبر قطاع سياحي مدروس يتصدر المنطقة من حيث عدد الزوار والعوائد. فكيف يمكن لمدينة وادان أن تستفيد من هذه التجربة الفريدة؟ وما هي الخطوات الممكنة لتكرار هذا النجاح في البيئة الموريتانية؟

مصر: نموذج سياحي قائم على الهوية والتسويق الذكي

لم تبن مصر نجاحها السياحي على الصدفة، بل على استراتيجية واضحة المعالم، جمعت بين حماية الموروث الثقافي، والاستثمار في البنية التحتية، والترويج العالمي الذكي. فقد تم ترميم المعابد والمقابر بعناية فائقة، وتحويلها إلى مراكز جذب مفتوحة، كما شهدت البلاد نهضة في البنية التحتية السياحية، من مطارات وطرق إلى فنادق ومتاحف، أبرزها “المتحف المصري الكبير”.

كما لعب الإعلام دورا حاسما في تسويق التجربة السياحية المصرية، عبر أفلام وثائقية، ومشاركات دولية في المعارض، وبرامج ترويج رقمية بلغات متعددة تستهدف الزائر الأجنبي بشكل مباشر. وهذه النقطة تحديدا يمكن أن تكون مصدر إلهام كبير لمدينة وادان.

وادان: كنز ينتظر من يكتشفه

مدينة وادان ليست أقل شأنا من أي موقع أثري عالمي. فهي واحدة من المدن التاريخية الأربع في الشمال الموريتاني، تأسست في القرن الثاني عشر، وكانت مركزا علميا وتجاريا هاما في العصور الوسطى. وإلى جانب طابعها المعماري الفريد، تتميز المنطقة بموقع جيولوجي نادر هو “كلب الريشات” (عين الصحراء)، وهو تشكيل دائري ضخم يعتقد أنه نتيجة ارتطام نيزك أو ظاهرة جيولوجية معقدة، ما زال العلماء يدرسونها حتى اليوم.

ورغم إدراج وادان ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، إلا أن الوعي العالمي والمحلي بأهميتها السياحية لا يزال محدودا، وهو ما يجعل من التجربة المصرية خريطة طريق ضرورية للعبور نحو استثمار ذكي ومستدام لهذا التراث.

دروس عملية يمكن لوادان أن تستفيد منها من مصر

1. التوثيق والترويج الإعلامي

كما استثمرت مصر في صناعة الأفلام والوثائقيات السياحية، يمكن لمنصة إعلامية مثل “أنباء وادان” أن تلعب هذا الدور محليا، بإنتاج محتوى مرئي ومكتوب بأكثر من لغة، يبرز جمال المدينة وتاريخها ومعالمها الطبيعية.

2. الشراكات الدولية

تحرص مصر على عقد اتفاقيات تعاون مع جامعات ومؤسسات تراثية حول العالم. يمكن لوادان أن تستفيد من هذه الاستراتيجية بدعوة فرق بحثية وأكاديمية لدراسة “كلب الريشات” وتوثيقه علميا، مما يعزز من فرص إدراجه في مشاريع عالمية بيئية وسياحية.

3. تطوير البنية التحتية

رغم قلة الموارد، يمكن اتباع نهج “التنمية السياحية المستدامة” الذي يعتمد على خطوات صغيرة مثل إنشاء مراكز استقبال للزوار، وتوفير مرشدين محليين، وتحسين الطرق المؤدية إلى وادان، خاصة من مدينة أطار.

4. إشراك المجتمع المحلي

التجربة المصرية أثبتت أن التنمية السياحية لا تكون ناجحة دون إشراك السكان. في وادان، يمكن تدريب شباب المدينة ليكونوا مرشدين سياحيين، وتشجيع الحرف المحلية، وتحويل المنازل التاريخية إلى دور ضيافة تقليدية.

5. استثمار المناسبات والمواسم

تنظم مصر مهرجانات سياحية وثقافية مثل مهرجان الأقصر للسينما، مما يجذب آلاف الزوار. وبإمكان وادان أن تحيي مهرجانات ثقافية وتراثية سنوية، تسلط الضوء على التراث المحلي من شعر وفلكلور وفنون تقليدية.

نحو رؤية وطنية للسياحة الثقافية

إن مستقبل السياحة في موريتانيا، ووادان تحديدا، يتطلب رؤية وطنية تتجاوز الشعارات إلى خطط تنفيذية ملموسة. يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لتبني هذا القطاع كرافعة للتنمية، تشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتضع وادان على خريطة السياحة العالمية، كما فعلت مصر تماما.

الخلاصة

لا تحتاج وادان إلى أن تخترع العجلة، بل إلى أن تنظر في المرآة المصرية، وتقتبس منها ما يلائم سياقها. إن معالمها التاريخية، وعلى رأسها “كلب الريشات”، تمثل فرصة ذهبية لتحويل المدينة إلى مركز جذب عالمي للسياحة البيئية والثقافية. ويبقى السؤال: هل نمتلك الإرادة لتحويل التاريخ إلى مستقبل؟

ع.م

كلب الريشات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى