اقتصادتاريخ وادانمحليةمقال

وادان بلا طريق.. مدينة التاريخ تحتاج إلى حاضر يصلها بالمستقبل

لطالما ظلت مدينة وادان، بجلالها التاريخي وأصالتها الثقافية، حبيسة العزلة الجغرافية وقساوة التضاريس، تنتظر لحظة الإنصاف من الدولة والبنية التحتية. واليوم، ونحن نعيش صحوة وطنية تجاه المدن التاريخية، بات من الضروري — بل من العاجل — أن يتم تنفيذ مشروع تعبيد الطريق الرابط بين أطار ووادان، هذا المشروع الذي لا يعد مجرد طريق، بل شريان حياة جديد سينقل وادان من عزلتها إلى قلب الحركية الاقتصادية والسياحية لموريتانيا.

وادان: أكثر من مدينة، إنها ذاكرة أمة

تقع وادان على كتف صحراء آدرار، مدينة حفرت في الذاكرة الوطنية كرمز للعلم والتجارة والتاريخ. فبين جدرانها الطينية العتيقة، دوت أصوات العلماء، وتبادل التجار من مختلف الأقطار السلع والمعرفة. وهي من بين المدن الأربع (شنقيط، تيشيت، ولاته، ووادان) التي تحتفي بها الدولة الموريتانية سنويا في مهرجان المدن القديمة، احتفاء بما تمثله من إرث حضاري وتاريخي لا يقدر بثمن.

ومع ذلك، لا تزال وادان تعاني من ضعف الولوج إليها، إذ أن الطريق الرابط بينها وبين مدينة أطار — العاصمة الإدارية لولاية آدرار — غير معبد، مما يجعل الوصول إليها مغامرة شاقة، ويحد من إمكانية تطويرها واستغلال مقوماتها الكبيرة.

الطريق إلى وادان: مشروع لفك العزلة وبعث التنمية

تعبيد الطريق بين أطار ووادان ليس مجرد تحسين للبنية التحتية، بل هو قرار تنموي واستراتيجي سيكون له آثار إيجابية ملموسة في عدة مجالات:

1. التحفيز الاقتصادي

وادان مدينة لها طاقات شبابية غير مستغلة، وأسواق يمكن أن تنتعش حالما يتم فك عزلتها. الطريق سيمكن التجار من نقل بضائعهم بسهولة، وينشئ حلقة اقتصادية متكاملة تربط بين مدن آدرار والمراكز التجارية الكبرى.

2. دفع السياحة إلى الأمام

السياحة الثقافية في موريتانيا بحاجة إلى بوابة جديدة، ووادان مؤهلة تماما للعب هذا الدور. الطريق سيمكن وكالات السياحة والمهتمين بالتاريخ والتراث من الوصول إلى المدينة دون عناء، وهو ما سيضاعف من عدد الزوار وينعش الاقتصاد المحلي.

3. تسهيل الخدمات الأساسية

من غير المعقول في زمننا أن تظل مدينة بحجم وقيمة وادان، صعبة الوصول في الحالات الصحية الطارئة، أو لنقل المدرسين والأطباء. الطريق سيخفف من معاناة التنقل، ويسهم في تحسين مستوى الخدمات العمومية.

4. الربط الثقافي والاجتماعي

الطريق سيكون جسرا لإعادة وصل وادان بجيرانها، وتسهيل التبادل الاجتماعي والثقافي، وبناء تلاحم أقوى بين سكان الولاية والمناطق المحاذية.

مطلب جماعي لا يحتمل التأجيل

إن الطريق إلى وادان لا يجب أن يبقى في خانة الوعود أو المشاريع المؤجلة. فمشروع بهذا الحجم له ما يبرره ويفرضه الواقع والمصلحة العامة. ولهذا، فإننا نناشد السلطات العليا في الدولة، بدءا برئاسة الجمهورية ومرورا بوزارة التجهيز والنقل، أن تدرج هذا المشروع ضمن أولوياتها الفورية، وتعجل بتنفيذه دون تسويف.

كما أننا نوجه دعوة صادقة إلى جميع أبناء وادان، مقيمين ومنتخبين وفاعلين في الداخل والخارج، أن يجعلوا من هذا الطريق مطلبهم الأول، وأن يوحدوا أصواتهم خلف هذا الهدف النبيل. فوحدها الإرادة الجماعية قادرة على تحريك الملفات، ودفع عجلة الإنجاز.

خاتمة

وادان لا تطلب الكثير، فقط أن تمنح حقها في التواصل مع الوطن، وأن تفتح لها نافذة على العالم. الطريق إلى وادان هو طريق إلى التاريخ، إلى السياحة، إلى التنمية، إلى العدالة المجالية. وقد آن الأوان لتمهيده، دون تأخير.

ع.م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى