تاريخ وادانثقافةمحليةمقال

الطالب أحمد ولد اطوير الجنة: من وادان إلى رحاب العالم الإسلامي

في قلب المدينة العتيقة بوادان، وتحديدا في شارع الأربعين عالما، يرقد ضريح أحد أعظم رموزها العلمية والروحية: العلامة الجليل الطالب أحمد ولد اطوير الجنة، العالم الموسوعي والرحالة الفذ، الذي تجاوزت شهرته حدود مدينته، ليصبح رمزا مشرقا من رموز بلاد شنقيط وعنوانا للعلم والتقوى والسفر في طلب المعرفة.

ولد الطالب أحمد بن اطوير الجنة سنة 1145 هـ / 1732 م في بيئة علمية خصبة بمدينة وادان، وتلقى تعليمه في محاظرها، فبرز في الفقه، واللغة، والأدب، والسير، والتاريخ، وكان مثالا للعالم الزاهد، المخلص في طلب العلم وتعليمه، حتى غدا مرجعا علميا وروحيا في منطقته وخارجها. عاش في بيت متواضع بالقرب من المسجد العتيق، وهناك ختم حياته العامرة بالعلم والعبادة، حيث لا يزال قبره قائما داخل منزله، مقصدا للزوار الباحثين عن البركة، والمفتونين بتاريخ المدينة العريق.

لكن حياة هذا العالم لم تكن محصورة في وادان، فقد دون اسمه بحروف من نور في سجلات الرحلة والتأريخ، بعد أن قام برحلة فريدة إلى الحج سنة 1245 هـ / 1829 م، استمرت خمس سنوات كاملة، عايش فيها مشاق السفر وملذاته، وسجل خلالها وقائع مذهلة وأحداثا نادرة، جمعها في كتابه الخالد “رحلة المنى والمنة”.

خلال تلك الرحلة، التقى سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن، وتوقف في كبريات حواضر شمال إفريقيا مثل الجزائر، تونس، طرابلس، ومصر، حيث خالط العلماء، وشارك في حلقات العلم، وجمع نوادر الأخبار، ونسج روابط فكرية وروحية مع أعلام تلك الأقطار. وقد شكلت تلك الرحلة انعكاسا صادقا لعمق ثقافة العالم الشنقيطي، ولفهمه الشامل للعالم الإسلامي في زمنه، فوثق العادات، والعمران، والأحوال السياسية والاجتماعية في كل محطة مر بها.

ومن أبرز ما ورد في تلك الرحلة، رسالة بعث بها إلى أمير طرابلس آنذاك، الأمير حسين بي، متوسلا لقضاء حاجة لأحد العلماء، جاء فيها:

“كتبه محبكم صدقا، وصديقكم حقا، الطالب أحمد بن اطوير الجنة، كان الله للجميع وليا ونصيرا. بوافر المنى والمنة، في هذه الدار دار السلام، بجاه سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وعلى آله وأصحابه أنجم الظلام، صلاة وسلاما، دائمين على مر الليالي والأيام.”

يعد كتاب “رحلة المنى والمنة” مرجعا فريدا في أدب الرحلة الشنقيطي، لما فيه من أسلوب أدبي راق، ودقة في الملاحظة، وقدرة على التحليل والتوصيف، جعله مصدرا معتمدا في الدراسات التاريخية والأدبية. وقد انتقل تأثير هذا العالم إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي، حيث تدرس أعماله وتستشهد بها، ما يؤكد مكانته الرفيعة بين أعلام الفكر الإسلامي في القرن التاسع عشر.

توفي الطالب أحمد بن اطوير الجنة يوم 2 رمضان سنة 1265 هـ / 22 يوليو 1849 م، عن عمر ناهز 120 عاما، قضاها في خدمة العلم والناس والرحلة إلى الله والعلماء.

واليوم، تستحضره وادان بكل فخر كرمز من رموزها الخالدة، وشيخ من شيوخها العظام، الذي جمع بين علوم الشريعة وأسفار الأدب، وبين التواضع والريادة، وبين حب الوطن والانفتاح على آفاق العالم الإسلامي، ليبقى اسمه مضيئا في سماء التاريخ.

أنباء وادان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى